كان صلى الله عليه وسلم
يبادر فيتقرب من نسائه ، ويمازحهن ، ويتباسط معهنّ ، فيدخل السرور إلى قلوبهنّ .
من هذا قوله لعائشة رضي الله عنها :
"كنت لك كأبي زرع لأم زرع "
وذلك حين حدثته السيدة عائشة رضي الله تعالى قائلة :
إنه اجتمع في الجاهلية إحدى عشرة امرأة في جلسة سمر ، فقلن بعضهُنّ لبعض :
تعالَين نتحدث عن أزواجنا ، دون أن نكتم من أخبارهم شيئاً مدحاً أو ذمّاً ،
وأن نكون صادقاتٍ في وصفهم ، على ألاّ يصل هذا إليهم ...
فقالت الأولى :
إن زوجي متكبر سيء الخُلُق ، لا أصل إلى رضاه إلا بشق النفس وبذل الجهد ، وشبّهته في رداءته بلحم جمل غثٍّ شديد الهزال على رأس جبل وعر لا يوصل إليه إلا بعسر ومشقّةٍ .
وقالت الثانية :
لا أستطيع ذكر زوجي بسوء – وكله مساوئ – فقد يصل إليه ما قلت فيطلقني ، فأضيّع أطفالي ، وأخسر بيتي .
وقالت الثالثة :
أما زوجي فهو سفيه أحمق ، عقله في لسانه ، لا يرعى لي ذمة ، ولا يحفظ لي مكانة ، أتحمله على مضض ، فلا أستطيع مجابهته فأطلَّق ، وإن سكتُّ فلا يأبه لي .
وقالت الرابعة:
إن زوجي معتدل الأخلاق ، متوسط في رضاه وسخطه، وشبّهتْه بليل تهامة
( وتهامة مكةُ وجنوبُها ، والنسبة إليها تهاميّ)
لا تجد فيه حراً ولا برداً ، ولا تخافه ولا تسأمه .
وقالت الخامسة :
زوجي كريم جواد ، لا يسألني ما أفعله في البيت ، فإذا خرج فهو أسد في الحروب ، بطل في القتال .
وقالت السادسة :
أما زوجي فإن أكل أو شرب لم يترك لعياله شيئاً ، فإذا نام لم يشعر بما حوله .
أنانيٌّ لا يهتم بحال أهله إن مرضن أو اشتكين . شديد الرغبة في النساء .
وقالت السابعة:
يا ويلي ، إن زوجي عيِيٌّ لا يحسن تدبير الأمور ، فيه غيٌّ وضلالة ، أحمق لا يهتدي للتصرف الصحيح ، يتخبط في أعماله ، سريع إلى الضرب ، فإما أن يشُجّ من خاصمه ، أو يكسر له ضلعاً من أضلاعه ، أو يجمع بين الشج والكسر ، فأنا منه على أسوإ حال .
وقالت الثامنة :
أما زوجي فناعم الملمس ، كالأرنب لِيناً وعطفاً ، شديد الاعتناء بمظهره وطيب رائحته .
وقالت التاسعة :
زوجي أصيل المنبِت ، فارع الجسم ، كريم اليد ، سريع إلى إغاثة الملهوف ، عظيم في قومه ، قريب إلى نفوسهم ، له الصدر في مجالسهم .
وقالت العاشرة :
إن زوجي – مالكاً- له إبلٌ كثيرة باركة في فِناء منزله ، لا يوجّهها للكلإ والمرعى إلا قليلاً ، فهو لم يقْتَنِها لينمّيَها ، إنما جعلها للضيفان ، فيقريهم من ألبانها ولحومها . وقد عهِدتِ الإبل منه ذلك ، فإذا سمعن صوت المزاهر وآلات الطرب علمْنَ أنّ أجلَهنّ قد اقترب .
وقالت الحادية عشرة :
أما زوجي أبو زرع –
وما أدراك ما أبو زرع ؟
فقد انتزعني من بيت فقير وحياة بائسة إلى غنىً واسع وحياة رغيدة ،
وأكرمني أيّما إكرام ، طعام كثير ، وخير وفير .. وذهبٌ ملأ يديّ ،
ففرحت بما أُلْتُ إليه من نعمة ، وعظّمني فعَظُمَتْ نفسي عندي ، فقولي عنده القول الفصل ، والخدم من حولي يأتمرون بأمري ، ويسعَوْن إلى رضاي ...
أم أبي زرع :
تمتلك الكثير من المال ، وبيتها واسع رائع .... ابن أبي زرع :
نشيط جميل المنظر ...
بنت أبي زرع :
من أجمل الفتيات ، ذات خلق رفيع ، تغار منها الأتراب ...
حتى الخادمة :
فإنها أمينة تكتم السر وتحافظ على البيت ، وتعتني به .
إلا أن هذه النعمة لم تدُمْ لي ..
فقد خرج زوجي في بعض أعماله فرأى امرأة جميلة في مقتبل العمر ، تلاعب ولدين لها ،، فأعجَبَتْه ،
فطلّق أم زرع ، وتزوّجها .
ولم تلبث ام زرع أن تزوّجت رجلاً أصيلاً غنيّاً ذا همّة عالية ، فأغدق عليها خيراً كثيراً ،
وأمرها بصلة أهلها وإكرامهم .
إلاأن قلبها لم يكن له ، بل كان لأبي زرع ...
ألم يقل الشاعر :
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى 000 ما الحب ألا للحبيب ألأول
كم منزل يألفه الفتى 000 وحنينه أبدا لأول منزل
فكانت تقول :
فلو جمعْتُ كل شيء أعطانيه ما بلغ أصغرَ ما أعطانيه أبو زرع .
فلما قال لها النبي الكريم صلوات الله تعالى وسلامه عليه :
" كنت لك كأبي زرع لأم زرع "
قالت :
يارسول الله ، بل أنت خير من أبي زرع .
قال صلى الله عليه وسلم :
" نعم ، فقد طلّقها ، وإنّي لا أطلقك ."