يحكى ان للدكتورة الدكتورة لينة الحمصي
الحكايات كانت برنامج يذاع فى قناة الرسالة
وسنقدمها لكم مادة مكتوبة
كذبةٌ بيضاء
يحكى أن أحد الحكماء أتته امرأة تشتكي سوء العلاقة بينها وبين زوجها، وأفصحت له عن كرهها إياه، وطلبت منه أن يعينها على الخلاص منه بأية وسيلة.
فكر الحكيم مليّاً ثم قال: نعم، سأعينك على الخلاص منه، ولكن عليك في البداية أن تنفّذي ما أطلبه منك، حتى لا ينكشف أمرك ويذاع سرّك.
عليك أن تتظاهري أمام زوجك والآخرين بأنك تحبينه وذلك لمدة أسبوعٍ كامل.
بعد أسبوع عادت الزوجة إلى الحكيم، فقال لها: أظنك أتيت لأدلّك على وصفةٍ تريحك من زوجك.
هزّت المرأة رأسها بالنفي وقالت: لا أيها الحكيم.. لقد اكتشفت أني أحب زوجي ولا أستطيع العيش دونه.
لا شكّ أنكم تتساءلون عن السبب في هذا الانقلاب المفاجئ!
لقد كان لتظاهر الزوجة وتصنّعها محبة زوجها في ذلك الأسبوع مفعولاً سحرياً على الزوج، فقد صدّق أنها تحبه، فبادل حبها المتصنّع حباً حقيقياً، وأظهر لها ما بداخله من مشاعرَ جميلةٍ كانت مكبوتةً خافية، وكان ذلك سبباً في زرع بذور الحبّ بين هذين الزوجين.
كم من زوجين يعيشان مع بعضهما عقوداً طويلة، لم يسمع أحدهما من الآخر كلمة حبٍّ أو حتى ثناء..
قد يكون تحبّب الزوجين إلى بعضهما مجرّد تمثيلية، ولكنها لا تلبث أن تنقلب إلى حقيقةٍ حين يستخرج كلٌّ منهما ما لدى الآخر من جواهرَ ثمينةٍ ومعادنَ نفيسةٍ كانت مخبوءةً دفينةً تنتظر اليوم الذي تتفجر فيه، لتفيض بالصدق والدفء والود والحب.
وفي هذا يروي أحد الصحابة قائلاً: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرخّص في شيء من الكذب إلا في ثلاث كان رسول الله (r) يقول: (لا أعدّه كاذباً: الرجل يصلح بين الناس، يقول القول، ولا يريد به إلا الإصلاح، والرجل يقول في الحرب، والرجل يحدّث امرأته والمرأة تحدث زوجها). رواه مسلم
طبعاً الكذب المباح هنا هو الكذب الذي يؤدي إلى إصلاح الحال بين الزوج وزوجته، ليرضيها وترضيه، وتتقرب منه ويتقرب منها، بحيث يزيد في متانة الرابط المقدس الذي يربط بينهما ويدعّمه، دون أن يكون فيه إساءةٌ لأحدٍ أو تلعبٌ على أحدٍ أو أكلٌ لحقوق أحد.
أما ما قد يفهمه البعض من أنه إباحةٌ للكذب المطلق، فهو أمرٌ يتناقض مع المقاصد الشرعية، ومع ما يُفهم من روح الحديث الشريف وحكمته.
* * *
وهنا لي سؤال: هل حياة الحب الحقيقي، بما فيها من البياض والجمال والسعادة والهناء، تخلو دائماً من الصعوبات والأشواك؟
لا أظن ذلك، ومع ذلك دعونا نبحث هذا الموضوع في العدد القادم.
الدكتورة لينة الحمصي