وأنا أول المتحرشين !!
كانتا تقفان بانتظار سيارة تقلهما
وكنت وزميل عزيز نقطع الشارع ، عندما وجدنا
ثلاثة شباب يقفون بجانبهم ويبدأوا في الحديث
كانتا زميلتان لنا في الدفعة
بينما تظهر على ملامح الشباب الصياعة والبلطجة
والانحلال
واصلنا قطع الشارع ، عندما فوجئنا بالشباب يقتربون منهم بطريقة مستفزة
و إذا بالزميلتين تنكمشان على بعضهم البعض
بينما ترتسم على ملامحهم تعبيرات من الخوف والتوجس
توقفنا عن قطع الشارع ، وأشرت للزميل بأن يتبعني
بينما هو يصيح "فيه إيه يابني"
وتوجهنا إليهم مباشرة
- في حاجة يا شباب
- و أنت مالك يا عم
- أنا مالي ازاي ، انتو اللي عاوزيين ايه
- مافيش حاجة ، كنا بنسألهم عن قلم
نظرت للزميلتين ، ثم نظرت للشباب مرة أخرى وقلت لهم:
– بيقولوا ممعاهمش أقلام !!!!
- خلاص يا عم خلاص
وقفلوا منصرفين ، فانصرفت والزميل
لم اصدق نفسي في بداية الأمر
هو أية اللي حصل ، وحصل ازاي ، و إيه اللي خلاني اعمل كده ؟!
نظرت للزميل فوجدته يضحك : - هو أيه اللي انت عملته ده ياله
- بصراحة مش عارف ، والله ما حسيت بنفسي ألا و أنا باعمل كده
- أنت عارف البنات دي
- والله ماعرف البنات دي مين ، بس عارفهم شكلاً انهم معانا في الدفعة ، وبجد مش
عارف اية اللي خلاني اعمل كده ، بصراحة الموقف كان مستفز جداً ، وماكنتش شايف قدامي
، واللي حصل ده كله و أنا مش واعي للي باعمله ، وده رد فعل طبيعي جداً لأي انسان
طبيعي
- بس غلط اللي أنت عملته ده ، كان ممكن يكون مع أي حد فيهم مطوة ويغزك بيها ، وتروح
أنت فيها
- طب ما أنت معايا اهه ، كنا هنموتهم من الضرب
- ضرب –ويضحك- ضرب أية يا أبو ضرب ، أنا ولا أعرفك –يضحك-
- بس حقيقي أنا مش مستوعب اللي حصل
- سيبك ، كويس اللي أنت عملته ده ، دي حركة جدعة منك
تذكرت هذا الموقف الذي قصصته عليكم بتفاصيله –رغم انه حدث منذ عامين – مع قرب حلول عيد الأضحى المبارك والذي يعد احد اشهر المواسم للتحرشات الجنسية القبيحة
إذا بحثنا عن تعريف لمعنى كلمة "التحرش الجنسي" فسنجد انه "محاولة استثارة الأنثى
جنسياً بدون رغبتها" ، و يشمل إما ألفاظاً أو إشارات بذيئة أو اللمس غير اللائق
للجسد ، أو المغازلة والملاحقة في الشارع ، وكشف المتحرش عن أجزاء من جسده أمامهن،
و يمتد التحرش إلى التحرش من خلال التليفون والإيميل
لنا أن نعلم أن المتحرش يعلم أنه يقوم بسلوك "خاطيء وفاضح" فتجده يُقبل عليه
وبداخله خوف وتوجس كبيرين -زي الحرامي بيسرق وبيدعي ربنا يستر عليه- فما أن يجد رد
فعل قوي من أي نوع سواء من الضحية أو المجتمع ، إلا ويتراجع عن فعلته الشنيعة
أسباب تفشي هذه الظاهرة -والتي أصبحت ظاهرة مأساوية ومفجعة بكل المقاييس- كثيرة ،
منها : ضعف الوازع الديني عند المتحرش ، مما يدفعه إلى إشباع رغباته ونزواته بأي
طريقة كانت ، يأتي بعد ذلك الدور المأساوي للإعلام في نشر الرذيلة و الإباحية
والترويج لها ، مما يولد عن المُتلقي -وخاصة من صغار السن- ِرده دينية و أخلاقية
وثقافية، و تأتى بعد ذلك الأسباب الاقتصادية كزيادة نسبة البطالة وعدم القدرة على
الزواج وانتشار العنوسة ، ولكن كل الأسباب السابق ذكرها لا تدفع المتحرش إلى القيام
بفعلته الفاضحة إلا إذا وُجِدَت أولى هذه الأسباب وهو انعدام الوازع الديني الذي
ينهاه عن فعلته المنكرة
لا ينسينا هذا أن نشير إلى الدور الكبير للـ"مُتحرش بها" ، وذلك بخروجها شبة عارية
أو في هيئة ولباس مثير وصادم ، مما يدفع مثل هؤلاء الشباب المنحل إلى التجرأ و
التحرش ، فمن ذاك الجائع الذي يجد أمامه طعاماً مكشوفاً ولا يمد يده ليتذوقه، وخاصة
إذا لم توجد لديه الأسباب والموانع التي تردعه عن فعلته
كنت في الكلية مع أحد الزملاء ذات مرة ، عندما رأينا احداهن ترتدي ملابس أقل ما
يقال عنها انها "فعل فاضح في الطريق العام" ، فطفق الزميل "يعاكس ويُلقح بالكلام"
عليها بصوت عالي لتسمعه ، عندما نبهته الى عدم جواز ما يفعل قال : مانتش شايف هي
عامله في نفسها اية .. انت فاكر هي عامله كده ليه .. اكيد هي تيييييت و بنت
تيييييييت .. وماعندهاش ذرة من أدب أو أخلاق ، فقلت له : ولو ياخي .. حتى لو هي مش
محترمة ولا مؤدبة .. فاحنا مش كده .. احنا بنعمل بدينا واخلاقنا واصلنا مهما حصل
ومهما يكون
أنا هنا لا أبرء هذا الشباب المنحل من فعلته المنكرة بأي حال من الأحوال ، فالتحرش
يطال الجميع من منتقبة ومختمرة ومتبرجة ، ولكني أشير إلى أن النسبة الأعلى للمتحرش
بهن يكن من المتبرجات
هذا لا يجعلني أنسى دور المجتمع الهام ، وذلك بالأخذ على يد المتحرش وردعه بكل
الوسائل الممكنة ، يقول رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم- : "من رأى منكم منكراً
فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك اضعف الإيمان"
ولنا أن نعلم أن القوانين تنص على أن عقوبة المتحرش تتراوح ما بين الشهر والثلاث
سنوات مع الغرامة المالية ، لذا علينا أن نضرب بيد من حديد لكل من تسول له نفسه
إيذاء الآخرين وإرهابهم والتحرش بهم ، ولنعلم أننا إذا تقاعسنا عن أداء هذا الدور
وهذه المهمة فسيكتب عنا التاريخ أنى أول المتحرشين وأنت وهم وأولئك والجميع ،
وسنبوء نحن بإثمهم وسوءهم بتخاذلنا المخزي المريب ، وبعدم تحملنا لمسئولياتنا من
تربية اهالينا واقربائنا على الدين وحسن الخلق ، وبعدم حثنا لبناتنا ونسائنا على
العفة والاحتشام ، وعلينا أن نقوم بالأخذ على يد المخطيء بالحكمة والقول الحسن في
باديء الأمر ، وإلا فالشدة والحزم والتعامل بصرامة ستكون هي البديل والحل المناسب
والمطلوب أذا لم تحدث من قِـبَلِه أستجابة
***
احمد سعيد بسيوني
بكالوريوس طب طنطا
مدونة البحر
[url=ana-elbahr.blogspot.com/]مدونة البحر[/url]